فصل: (فَصْلٌ): (لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ]:

(وَلَا تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (إلَّا فِي) تَصَرُّفٍ (مَعْلُومٍ) لِيَعْلَمَ الْوَصِيُّ مَا وَصَّى بِهِ إلَيْهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا أَمَرَ (يَمْلِكُ) الْمُوصِي (فِعْلَهُ)؛ أَيْ: مَا وَصَّى فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ، وَالْوَصِيُّ فَرْعُهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْفَرْعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْأَصْلُ (كَإِمَامٍ) أَعْظَمَ يُوصِي (بِخِلَافَةٍ) كَمَا وَصَّى أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ، وَعَهِدَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الشُّورَى، (وَ كَ) أَنْ يُوصِيَ مَدِينٌ فِي (قَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَ) كَالْوَصِيَّةِ فِي (تَفْرِيقِ وَصِيَّةٍ وَرَدِّ أَمَانَةٍ وَغَصْبٍ) وَعَارِيَّةٍ (وَنَظَرٍ فِي أَمْرِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ) رَشِيدٍ مِنْ طِفْلٍ وَمَجْنُونٍ وَسَفِيهٍ (وَحَدِّ قَذْفٍ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالْإِذْنِ؛ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُهُ الْمُوصِي كَالْوَكَالَةِ وَ(يَسْتَوْفِيهِ لِنَفْسِهِ)؛ أَيْ: لِلْمُوصِي نَفْسِهِ (لَا لِمُوصًى إلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ يَمْلِكُ فِعْلَ ذَلِكَ، فَمَلَكَهُ وَصِيُّهُ كَوَكِيلِهِ. وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ (بِتَزْوِيجِ مَوْلَيَاتِهِ) كَبَنَاتِهِ وَلَوْ كُنَّ دُونَ تِسْعٍ (وَيَقُومُ وَصِيٌّ مَقَامَهُ)؛ أَيْ: مَقَامَ الْمُوصِي (فِي الْإِجْبَارِ) كَالْأَبِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ كَوَكِيلِهِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ أَرْكَانِ النِّكَاحِ مُفَصَّلًا.
تَنْبِيهٌ:
لَيْسَ لِلْوَصِيِّ قَضَاءُ الدَّيْنِ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ إذْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَلَا مُدَّعِي الدَّيْنِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ غَيْرَ مَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِالنَّظَرِ عَلَى وَرَثَتِهِ فِي أَمْوَالِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْمُوصِي ذَا وِلَايَةٍ عَلَيْهِمْ فِي الْمَالِ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَمْ يُؤْنَسْ رُشْدُهُ مِنْهُمْ؛ فَلَهُ أَنْ يُوصِيَ فِيمَنْ يَنْظُرُ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا، وَيَتَصَرَّفَ لَهُمْ فِيهَا بِمَا لَهُمْ الْحَظُّ فِيهِ؛ لِقِيَامِ وَصِيِّهِ مَقَامَهُ.
وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ (الْمَرْأَةِ عَلَى أَوْلَادِهَا وَلَا) مِنْ الْمُوصِي عَلَى (مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ) كَالْعُقَلَاءِ الرَّشِيدِينَ مِنْ أَوْلَادِهِ وَ(كَأَوْلَادِ ابْنِهِ) وَغَيْرِهِمْ كَإِخْوَتِهِ مُطْلَقًا وَأَعْمَامِهِ وَبَنِيهِمْ، وَبَنَاتِهِمْ كَذَلِكَ وَسَائِرُ مَنْ عَدَا أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِمْ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لِغَيْرِ الْأَبِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ مَعَ رُشْدِ وَارِثِهِ وَلَوْ مَعَ غَيْبَتِهِ)؛ أَيْ: الْوَارِثِ؛ لِانْتِقَالِ الْمَالِ إلَى مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ بِاسْتِيفَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا أَنْفَقَهُ وَصِيٌّ مُتَبَرِّعٌ بِالْمَعْرُوفِ فِي ثُبُوتِ الْوَصِيَّةِ؛ فَمِنْ مَالِ الْيَتِيمِ انْتَهَى، وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ. (وَمَنْ وَصَّى فِي) فِعْلِ (شَيْءٍ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِ مُوصِيهِ، فَكَانَ مَقْصُورًا عَلَى مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ كَالْوَكِيلِ، فَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ وَأَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ؛ فَهَذَا وَصِيٌّ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ، يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذَا كَانَ نَاظِرًا لَهُمْ، وَإِنْ خَصَّصَهُمَا بِشَيْءٍ لَمْ يَتَعَدَّهُ (كَوَصِيَّتِهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ) فَلَهُ فِعْلُهُ دُونَ غَيْرِهِ (أَوْ) وَصِيَّتِهِ (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ أَوْ) بِـ (النَّظَرِ إلَى أَمْرِ أَطْفَالِهِ) أَوْ تَزْوِيجِهِمْ، فَلَا يَتَجَاوَزُهُ، وَإِنْ جَعَلَ الْمُوصِي لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ وَصِيًّا؛ جَازَ عَلَى مَا قَالَ، وَيَتَصَرَّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا جَعَلَ الْمُوصِي إلَيْهِ خَاصَّةً (وَمَنْ وَصَّى) إلَيْهِ (بِتَفْرِيقِ ثُلُثٍ أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ (فَأَبَى وَرَثَةٌ) إخْرَاجَ ثُلُثِ مَا بِأَيْدِيهِمْ (أَوْ جَحَدُوا) الدَّيْنَ (وَتَعَذَّرَ ثُبُوتُهُ قَضَى) الْمُوصَى إلَيْهِ (الدَّيْنَ بَاطِنًا) بِلَا عِلْمِ الْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ حَاكِمٌ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إنْفَاذِ مَا وُصِّيَ إلَيْهِ بِفِعْلِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ لَمْ يَجْحَدْهُ الْوَرَثَةُ، وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ (وَأَخْرَجَ) الْمُوصَى إلَيْهِ (بَقِيَّةَ الثُّلُثِ) الْمُوصَى إلَيْهِ بِتَفْرِقَتِهِ (مِمَّا فِي يَدِهِ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ مُتَعَلِّقٌ بِأَجْزَاءِ التَّرِكَةِ، وَحَقَّ الْوَرَثَةِ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَدَفْعُهَا لِأَرْبَابِهَا (عَمَّا فِي أَيْدِي الْوَرَثَةِ) وَمَحَلُّ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ تَبَعَةً)؛ أَيْ: رُجُوعَ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَهُ فِي الدَّيْنِ أَوْ الْوَصِيَّةِ وَيُنْكِرُونَهُمَا- وَلَا بَيِّنَةَ بِهِمَا- فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِلْعُذْرِ (وَإِنْ فَرَّقَهُ)؛ أَيْ: الثُّلُثَ مُوصًى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِهِ (ثُمَّ ظَهَرَ) عَلَى مُوصٍ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ)؛ أَيْ: الثُّلُثَ؛ لِاسْتِغْرَاقِهِ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ رَبَّ الدَّيْنِ (أَوْ جَهِلَ مُوصًى لَهُ) بِالثُّلُثِ كَقَوْلِهِ: أَعْطُوا ثُلُثَيْ قَرَابَتِي فُلَانٍ، فَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَرِيبٌ بِهَذَا الِاسْمِ (فَتَصَدَّقَ هُوَ)؛ أَيْ: الْوَصِيُّ بِهِ (أَوْ) تَصَدَّقَ (حَاكِمٌ بِهِ)؛ أَيْ: الثُّلُثِ (ثُمَّ ثَبَتَ) الْمُوصَى لَهُ (لَمْ يَضْمَنْ) مُوصًى إلَيْهِ وَلَا حَاكِمٌ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَى قَابِضٍ؛ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَوَفَّى بِهِ الدَّيْنَ، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ بَحْثًا. (وَيَبْرَأُ مَدِينٌ) لِمَيِّتٍ (بِدَفْعِ) مَا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ (لِوَارِثٍ وَوَصِيٍّ مَعًا) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَ) يَبْرَأُ مَدِينٌ بَاطِنًا (بِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَنْ مَيِّتٍ (يَعْلَمُهُ عَلَى الْمَيِّتِ) فَيَسْقُطُ مِمَّا عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا قَضَاهُ عَنْ الْمَيِّتِ، كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَى الْوَصِيِّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَدَفَعَهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى تَوَسُّطِ الْوَصِيِّ بَيْنَهُمَا (وَلِمَدِينٍ) وَصَّى غَرِيمُهُ بِدَيْنِهِ لِغَيْرِهِ (دَفْعُ دَيْنٍ مُوصًى بِهِ لِمُعَيَّنٍ إلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمُعَيَّنِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ بِلَا حُضُورِ وَرَثَةٍ وَوَصِيٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ دَفَعَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ، (وَ) لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ (إلَى الْوَصِيِّ)؛ أَيْ: وَصِيِّ الْمَيِّتِ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَاهُ، وَيَبْرَأُ بِذَلِكَ؛ لِدَفْعِهِ إلَى مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَمْرِ الْمَيِّتِ لَهُ بِدَفْعِهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ دَفَعَهُ لِلْوَصِيِّ لِيُفَرِّقَهُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ صَرَفَ أَجْنَبِيٌّ)؛ أَيْ: مَنْ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا وَصِيٍّ (الْمُوصَى بِهِ لِمُعَيَّنٍ فِي جِهَتِهِ) الْمُوصَى بِهِ فِيهَا (لَمْ يَضْمَنْهُ) لِمُصَادِفَتِهِ الصَّرْفَ فِي مُسْتَحَقِّهِ؛ كَمَا لَوْ دَفَعَ وَدِيعَةً إلَى رَبِّهَا بِلَا إذْنِ مُودِعٍ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَعَ غَيْبَةِ الْوَارِثِ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ إذَا صَرَفَهُ الْأَجْنَبِيُّ فِي جِهَتِهِ؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ مُسْتَحِقًّا، وَلَا نَظَرَ لِلدَّافِعِ فِي تَعْيِينِهِ. (وَإِنْ) أَقَامَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مِنْ دَيْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهِمَا بَيِّنَةً فَ (شَهِدَتْ) تِلْكَ الـ (بَيِّنَةُ بِحَقٍّ) عِنْدَ الْوَصِيِّ (لَمْ يُشْتَرَطْ حَاكِمٌ، وَكَفَتْ) الشَّهَادَةُ (عَنْ وَصِيٍّ) وَلَهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ لَهُ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، وَقَطْعًا لِلتُّهْمَةِ (وَإِنْ وَصَّى بِإِعْطَاءِ مُدَّعٍ عَيْنَهُ) بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوا زَيْدًا (دَيْنًا) يَدَّعِيهِ (بِيَمِينِهِ نَفَّذَهُ) الْوَصِيُّ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِإِمْكَانِ أَنْ يَعْلَمَ الْمُوصِي بِالدَّيْنِ، وَلَا يَعْلَمَ قَدْرَهُ، وَيُرِيدُ خَلَاصَ نَفْسِهِ مِنْهُ (وَإِنْ وَصَّى إلَيْهِ بِحَفْرِ بِئْرٍ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، (أَوْ) بِحَفْرِ بِئْرٍ (فِي السَّبِيلِ فَقَالَ: لَا أَقْدِرُ، فَقَالَ) لَهُ (الْمُوصِي: افْعَلْ مَا تَرَى، لَمْ تُحْفَرْ بِدَارِ قَوْمٍ لَا بِئْرَ لَهُمْ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْصِيصِهِمْ) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْوَصِيَّةِ حَفْرُهَا بِمَوْضِعٍ يَعُمُّ نَفْعُهُ (وَ) إنْ وَصَّى (بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلَمْ يَجِدْ) الْوَصِيُّ (عَرْصَتَهُ)؛ أَيْ: أَرْضًا يَبْنِيهَا مَسْجِدًا (لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ عَرْصَةٍ يَزِيدُهَا بِمَسْجِدٍ صَغِيرٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلًا لِمَا أُمِرَ بِهِ، (وَ) لَوْ وَصَّى (بِدَفْعِ هَذَا لِيَتَامَى) بَنِي (فُلَانٍ فَإِقْرَارٌ بِقَرِينَةٍ، وَإِلَّا) تَكُنْ هُنَاكَ قَرِينَةٌ (فـَ) هُوَ (وَصِيَّةٌ) لَهُمْ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ) إنْ قَالَ لِوَصِيِّهِ (ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت، أَوْ أَعْطِهِ) لِمَنْ شِئْت (أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى مَنْ شِئْت؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ)؛ أَيْ: الثُّلُثِ لِنَفْسِهِ وَلَا دَفْعُهُ إلَى وَلَدِهِ. هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَقَالَ: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ لِلْمَسَاكِينِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ؛ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا، إنَّمَا أَمَرَهُ بِتَنْفِيذِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ، وَوَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مَلَكَهُ بِالْإِذْنِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا؛ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا (دَفْعُهُ)؛ أَيْ: الثُّلُثِ (لِأَقَارِبِهِ)؛ أَيْ: الْوَصِيِّ (الْوَارِثِينَ لَهُ وَلَوْ) كَانُوا (فُقَرَاءَ) نَصًّا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّهِمْ، (وَلَا) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَيْضًا دَفْعُ الثُّلُثِ (لِوَرَثَةِ مُوصٍ) لِأَنَّهُ قَدْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِهِ، فَلَا يَرْجِعُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبُ الْمَيِّتِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الدَّفْعُ إلَى مَنْ لَا يَدْفَعُ الْمُسْتَنِيبُ إلَيْهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ قَالَ: اصْنَعْ فِي مَالِي مَا شِئْت، أَوْ هُوَ بِحُكْمِك افْعَلْ بِهِ مَا شِئْت، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْإِبَاحَةِ، لَا الْأَمْرِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: أَفْتَيْت أَنَّ هَذَا الْوَصِيَّ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ ثُلُثَهُ، وَلَهُ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ؛ فَلَا يَكُونُ الْإِخْرَاجُ وَاجِبًا وَلَا حَرَامًا، بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ (وَإِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ (لِقَضَاءِ دَيْنٍ) عَلَى الْمَيِّتِ مُسْتَغْرِقٍ مَالَهُ غَيْرَ الْعَقَارِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى تَتِمَّتِهِ مِنْ الْعَقَارِ، (أَوْ) دَعَتْ الْحَاجَةُ لِبَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ (لِحَاجَةِ صِغَارٍ) مِنْ وَرَثَةٍ (وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ)؛ أَيْ: الْعَقَارِ (ضَرَرٌ كَنَقْصِ ثَمَنٍ) عَلَى الصِّغَارِ (بَاعَ الْوَصِيُّ) الْعَقَارَ كُلَّهُ عَلَى صِغَارٍ وَ(عَلَى كِبَارٍ) إنْ (أَبَوْا)؛ أَيْ: الْكِبَارُ بَيْعَهُ (أَوْ غَابُوا) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ، وَلِلْأَبِ بَيْعُ الْكُلِّ، فَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ وَصِيٌّ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ، فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ صِغَارًا أَوْ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُهَا وَفَّى مِنْ الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ شَرِيكُ الصِّغَارِ غَيْرَ وَارِثٍ لَمْ يَبِعْ الْوَصِيُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ فَرْعُ الْمَيِّتِ، وَهُوَ لَا يَبِيعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى (وَكَذَا لَوْ اخْتَصُّوا)؛ أَيْ: الْكِبَارُ (بِمِيرَاثٍ) بِأَنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَوَصَّى بِقَضَائِهِ، أَوْ وَصِيَّتُهُ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَاحْتِيجَ فِي ذَلِكَ لِبَيْعِ بَعْضِ عَقَارِهِ، وَفِي تَشْقِيصِهِ ضَرَرٌ، وَالْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارٌ (وَأَبَوْا وَفَاءَهُ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ، أَوْ غَابُوا؛ بَاعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْكُلِّ، وَكَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْبَعْضُ، أَوْ غَابَ؛ فَلَهُ بَيْعُ الْكُلِّ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ نَائِبُ الْمُوصِي، وَأَنَّهُ يَمْلِكُ بَيْعَ الْبَعْضِ فَمَلَكَ بَيْعَ الْكُلِّ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعَقَارِ، بَلْ يَثْبُتُ فِيمَا عَدَاهُ، إلَّا الْفُرُوجَ احْتِيَاطًا نَصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَصِيِّ يَبِيعُ عَلَى الْبَالِغِ الْغَائِبِ، فَقَالَ: إنَّمَا الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ إذَا كَانَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ كَانَ فَرْجٌ، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَبِيعَهُ. وَإِنَّمَا خُصَّ الْعَقَارُ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ أَحَظُّ لِلْيَتِيمِ؛ فَثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ مُنَبِّهٌ عَلَى الثُّبُوتِ فِيمَا دُونَهُ فِي ذَلِكَ، قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَمَنْ مَاتَ بِنَحْوِ بَرِّيَّةٍ) كَجَزَائِرَ لَا عُمْرَانَ بِهَا (أَوْ بَلَدٍ وَلَا حَاكِمَ) حَضَرَ مَوْتَهُ (وَلَا وَصِيَّ) لَهُ بِأَنْ لَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ، أَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى إلَيْهِ (فَلِمُسْلِمٍ حَضَرَهُ أَخْذُ تَرِكَتِهِ وَبَيْعُ مَا يَرَاهُ) مِنْهَا (مِمَّا يَسْرُعُ فَسَادُهُ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ لِحِفْظِ مَالِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ؛ إذْ فِي تَرْكِهِ إتْلَافٌ لَهُ، فَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ فِي التَّرِكَةِ، فَإِنْ كَانَ حِفْظُهَا وَحَمْلُهَا لِلْوَرَثَةِ أَصْلَحَ، وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (أَوْ كَانَ) الْبَيْعُ (أَصْلَحَ) وَجَبَ بَيْعُهَا حِفْظًا لَهَا، (وَلَوْ) كَانَ فِي التَّرِكَةِ (إمَاءً)؛ أَيْ: فَلَهُ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُنَّ حَاكِمٌ إنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهَا إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ مُكَاتَبَتِهِمْ لِيَحْضُرُوا وَيَأْخُذُوهَا انْتَهَى.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَنْ بَيْعِهِنَّ عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ بَيْعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إبَاحَةَ فُرُوجِهِنَّ، انْتَهَى.
وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي (وَيُجَهِّزُهُ)؛ أَيْ: الْمُسْلِمُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْهَا)؛ أَيْ: مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ وَأَمْكَنَ تَكْفِينُهُ مِنْهَا (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ) تَرِكَةٌ أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْهِيزُهُ مِنْهَا (فـَ) يُجَهِّزُهُ الَّذِي حَضَرَهُ (مِنْ عِنْدِهِ وَيَرْجِعُ) بِمَا جَهَّزَهُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ (عَلَيْهَا)؛ أَيْ: عَلَى تَرِكَتِهِ حَيْثُ كَانَتْ، (أَوْ) يَرْجِعُ بِهِ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) غَيْرَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ، (إنْ نَوَاهُ): أَيْ: الرُّجُوعَ سَوَاءٌ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا أَوْ لَا، أَشْهَدَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ أَوْ لَا (أَوْ اسْتَأْذَنَ حَاكِمًا) فِي تَجْهِيزِهِ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى تَرِكَتِهِ إنْ كَانَتْ، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ إذَنْ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَنْوِ التَّبَرُّعَ، فَإِنْ نَوَاهُ؛ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ قَامَ عَنْ غَيْرِهِ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ كَفَنُهُ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؛ إذْ الزَّوْجُ يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَنُهَا؛ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى زَوْجِهَا بَلْ عَلَى أَبِيهَا وَنَحْوِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.